بناء الدولة - النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين

المؤلفون

  • طلال حامد خليل جامعة ديالى - كلية القانون والعلوم السياسية - العراق

الملخص

عرض الكتاب

 

إن عملية بناء الدولة بوصفها حقلاً معرفياً في السياسة المقارنة ووحدة اساسية في التحليل ومحوراً مهما في البحث، شهدت تحولات معرفية (أبستمولوجيا) كبيرة الأمر الذي أطر لنظرية ومنهجية تتخذ من موضوع بناء الدولة مجالاً أساسياً من مقترباتها، حتى غدا علم السياسة وكأنه العلم الذي يتمحور حول الدولة وابنيتها. ومن هذا المنطلق شغلت مسالة بناء الدولة عدداً من الباحثين والكتاب في حقل السياسة المقارنة، إذ قاموا بتطوير مفاهيم أساسية ودراسات نظرية حاولت أن تضع القدم حذو القدم لتتبع الظاهرة واكتشاف كنه الصلة والعلاقة الارتباطية بين أهم المتغيرات والفواعل المؤسسية والغايات الوظيفة من جهة وبناء الدولة وقوتها من جهة اخرى، ويأتي الكتاب الذي بن أيدينا لمؤلفه الياباني الأصل الامريكي الجنسية فرانسيس فوكوياما (المولود في 27/10/1952) واحداً من هذه الدراسات، التي حاول الكاتب أن يجمع فيها كل الاسهامات المعرفية في حقل الدولة وبنائها (مثل غابريل الموند في دراسته للأنظمة السياسية، ودافيد لاتان في كتابه – السياسات المقارنة الدولة حقل منها، وهارولد لاسكي في مؤلفه الدولة نظرياً وعملياً، وروبرت ماكيفر في مؤلفه الشهير تكوين الدولة) للاستعانة بها من أجل البحث عن قابلية التعميم ويتضح ذلك من خلال تأكيد الكاتب على خمسة حقول معرفية بإمكانها الاختصاص في دراسة عملية بناء الدولة، إذ أن حقل الإدارة العامة والاقتصاد يفيد في إعادة تصميم الدولة ونظامها السياسي، والعلوم السياسية مهمتها تصميم المؤسسات وتحليل أساس الشرعية، وكل من علم الاجتماع والانثروبولوجيا فينصب دورهما في العوامل الاجتماعية والثقافية في بناء الدولة.

يعرف فوكويوما بناء الدولة على أنه (تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي) ولهذه المهمة التعريفية يشمل كتابه أربعة فصول، ناقش الكاتب في الفصلين الاول والثاني : الأسباب الداخلية لضعف الدولة القومية التي تفوق تطور الدول الفقيرة وتنميتها الاقتصادية. لكن ضعف الدولة القومية لم يعد شأنا خاصا بها، ولهذا بدأ يحدث إنقاص للدولة القومية وللسيادة، بل بعضهم يهاجم المفهومين نفسهما. لكن من الذي يملك حق أو شرعية انتهاك سيادة دولة قومية وبأي مسوغ؟ هل هنالك مصدر للشرعية الدولية لا يعتمد هو نفسه على قوة دولة قومية؟ وإذا لم يوجد أفلا يكون مثل هذا التدخل تناقضا؟ هذه الأسئلة حاول المؤلف ان يجيب عليها في الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان (الدولة الضعيفة والشرعية الدولية)، إذ يوضح بأنه وبعد نهاية الحرب الباردة صارت الدول الفاشلة هي أكبر مشكلات النظام العالمي. وذلك لأنها تعتدي على حقوق الإنسان، وتحدث كوارث إنسانية، وتدفع بأمواج ضخمة من المهاجرين، وتهاجم جيرانها، وتؤوي الإرهابيين العالميين الذين يمكن أن يضروا ضرراً بالغاً بالولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة منذ سقوط حائط برلين في عام 1989 وإلى عام 2001 كانت معظم الكوارث العالمية ناشئة عن الدول الضعيفة أو الفاشلة إن إمكانية الجمع بين الإسلام الراديكالي وأسلحة الدمار الشامل أظهرت فجأة أن حوادث تقع في أماكن قاصية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية القوية. ولهذا فقد اقتضت الدواعي الأمنية أن التدخل في مثل هذه الدول وتغيير أنظمتها.

لقد صار بناء الأمم هو المشروع الأول بالنسبة للسياسات العالمية سواء كان القصد منه إعادة بناء مجتمعات طغت عليها النزاعات أو مزقتها الحروب، أو لإزالة أرض يفرخ فيها الإرهاب، أو لمساعدة الدول الفقيرة لتنمو اقتصادياً. إذا كان هنالك علم أو فن أو تقنية لبناء الأمم فإنها ستحقق كل هذه الأهداف وسيكون الطلب عليها كبيراً. يرى الكاتب أن الأوربيين محقون في تمييزهم بين بناء الدول وبناء الأمم. إن الأمة هي نتاج ثقافة وتاريخ لا يمكن لجهة خارجية أن تحققه. أما الدول فيمكن بناؤها.

وفي الفصل الاخير (أصغر حجماً ولكنه الأقوى) يعرض المؤلف بأن فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، أصبح الموضوع الرئيسي للسياسة الدولية ليس هو كيفية تقليص الدولة، بل هو كيفية بنائها. فبالنسبة للمجتمعات الفردية والمجتمع العالمي، فإن إضعاف الدولة ليس من مقدمات الدولة المثالية، بل هو من بوادر الكارثة. والقضية الخطيرة التي تواجه الدول الفقيرة والتي تحد من قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية، هو ذلك المستوى غير المناسب من التنمية المؤسسية. حيث أنها ليست في حاجة إلى دول كثيرة، بقدر حاجتها إلى دول قوية وفاعلة في إطار النطاق المحدود لمهام ووظائف الدولة.

ويخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها بأنه يجب على الدول أن تكون قادرة على بناء مؤسسات الدولة ليس ضمن حدودها وحسب، بل في الدول الأخرى التي تعاني من المخاطر وعدم النظام، ففي السنوات الماضية كانت بعض الدول تفعل ذلك بشكل متزامن باحتلال الدولة ومن ثم إضافتها إلى إمبراطوريتها إدارياً، والآن نصر على أننا نسعى لنشر الديمقراطية، والحكم الذاتي، وحقوق الإنسان، وأن أي محاولة لحكم الآخرين هي مجرد فعل مؤقت بدلاً من أن يكون طموحاً إمبريالياً. وسنرى ما إذا كان الأوربيون يجيدون رسم هذه الدائرة أفضل من الأمريكيين. وعلى أية حال فإن فن بناء الدولة سيكون المكون الرئيسي للسلطة القومية، وهو مهم تماماً كأهمية القدرة على نشر القوات العسكرية التقليدية من أجل المحافظة على النظام في العالم.

التنزيلات

منشور

2015-12-15

إصدار

القسم

عرض الكتب العلمية