الطريق غير المسلوك للتعامل مع ظاهرة الإرهاب: الاحتواء وتجفيف المنابع بدلاً من المواجهة

المؤلفون

  • البسيوني عبد الله جاد البسيوني جامعة الزقازيق - جمهورية مصر العربية

الملخص

المقدمـــــة تعد ظاهرة الإرهاب Terrorism، ذات أبعاد متعددة، وهي ظاهرة بيئية، تتناولها بالدراسة علوم اجتماعية متباينة، كل يستخدم مداخله وأطره ومناهجه وأدواته لتقديم تفسير لهذه الظاهرة، من علم نفس إلى اجتماع إلى إدارة إلى اقتصاد إلى أنثروبولوجيا إلى جريمة إلى سياسية، إلى قانون ،  وحتى داخل علم الاجتماع، يمكن دراسة الإرهاب كظاهرة اجتماعية من زوايا متعددة، فقد يدرس في إطار الباثولوجيا الاجتماعية، أو في إطار سوسيولوجيا الجريمة، أو علم الاجتماع السياسي، أو كمعوق للتنمية، أو علم الاجتماع القانوني. وأيّاً كانت طبيعة التناول فإن الدراسة الراهنة تدرس الإرهاب كظاهرة اجتماعية، مستندة إلى إطار سوسيولوجي يبحث نشأة ونمو وإنتاج وإعادة إنتاج هذه الظاهرة عالمياً... ويوحي ذلك إلى أن الدراسة الراهنة تنجز في فضاء معرفي أشمل، وبالطبع، فكل فضاء معرفي يملي جملة من التصورات العامة. كما يملي جملة من أدوات التحليل الخاصة، وما من شك في أن التاريخ الحديث قد شهد أكثر من مدرسة نظرية حاولت كل منها أن تفهم الظاهرة الإرهابية انطلاقاً من سياقاتها النظرية وأدواتها المنهجية أولاً، وانطلاقاً من خصوصيات هذه الظاهرة وفق الفترة التاريخية المحددة، ثانياً. لذلك نلمس بوضوح تعدد الأطروحات وتراكم التناولات مما جعل التراث العلمي في تناول الدراسات الاجتماعية لظاهرة الإرهاب تراثاً متنوعاً تختلف نظرته إلى الإرهاب من مدرسة إلى أخرى. وعلى الرغم من ذلك كله، يبقى السؤال مطروحاً في خصوصية الدراسة السوسيولوجية للإرهاب: كيف يتمكن علم الاجتماع من مقاربة هذه الظاهرة، وتشخيصها وتقديم أساليب لاحتوائها بدلا من مواجهتها  وفقاً للرؤية السوسيولوجية. وفي ضوء ذلك تتحدد مشكلة هذه الدراسة في: محاولة الاقتراب من مجموعة المقولات التي يمكن أن تفسر سوسيولوجيا الأسباب والعوامل التي تفرز وتنتج الإرهاب كظاهرة اجتماعية عالمية، ثم محاولة تقديم إطاراً لفهم علاقة ظاهرة الإرهاب بغيرها من الظواهر الاجتماعية الأخرى، تأثيراً وتأثراً، ومن خلال استعراض نتائج مجموعة من البحوث والدراسات السابقة حول ذات الموضوع، حاولت الدراسة استعراض سياقات إنتاج الإرهاب وصولاً إلى تقديم رؤية سوسيولوجية للمواجهة. ولهذه الدراسة أهميتها النظرية والمجتمعية، ففي حين توجد حاجة ماسة للتحليلات السوسيولوجية للظاهرة الإرهابية، ولتلافي بعض من هذه الاحتياج، تحاول هذه الدراسة توظيف المنهج السوسيولوجي في دراسة الإرهاب كظاهرة اجتماعية. بالإضافة لذلك هناك حاجة تفرضها الضرورة المجتمعية، للبحث في الأسباب والعوامل التي تنتج العنف بشكل عام والإرهاب بشكل خاص، وكذلك البحث عن آليات صناعة الإرهاب، والعمل على ابتكار أساليب سوسيولوجية لاحتواء  الظاهرة الإرهابية، للاستفادة من هؤلاء الذين قد انجرفوا في هذه الأفكار، وإعادة استثمار طاقاتهم وقدراتهم لتنمية المجتمع. وفيما يتعلق بأهداف الدراسة فإنها تتحدد في: محاولة التعرف على طبيعة السياق الاجتماعي الذي يساهم في صناعة الإرهاب، وكذلك البحث عن آليات إنتاجه، ثم التوصل لرؤية سوسيولوجية لاحتواء الإرهاب . وتنطلق هذه الدراسة من تساؤلات محورية هي: ما مسئولية الظروف والسياقات الاجتماعية الاقتصادية في مجتمع معين عن صناعة وإفراز ما يمكن تسميته بالإرهاب كظاهرة اجتماعية؟ وإذا ما كانت هناك ثمة مسئولية لهذه الظروف والسياقات عن ذلك،  فهل من سبيل للفكاك ولتجاوز هذه الظاهرة؟ وما أساليب الاحتواء الفعالة لذلك في ضوء الرؤية السوسيولوجية؟ وتتبع هذه الدراسة منهجاً سوسيولوجياً، بمعنى الابتعاد قدر الإمكان عن الأحكام القيمية والنصوص المجردة، فالمقولات المتعلقة بالأحكام القيمية والنصوص المجردة مهمة بلا شك في التفسيرات اللاهوتية والفلسفية، ولكنها بالتأكيد ليست من اختصاص عالم الاجتماع، ففي دراسة الظاهرة الإرهابية لا يكون التركيز على النصوص ولا على التعاليم وأحكامها في حد ذاتها، بل على الأفعال الفردية والجماعية في محتواها الاجتماعي التاريخي ضمن إطار الأوضاع القائمة في المجتمع، بمعنى آخر يوظف في الدراسة منهجا ديناميا ،  وليس منهجا سكونيا يحلل النصوص بمعزل عن الواقع الاجتماعي(1). ويركز المنهج السوسيولوجي المستخدم في هذه الدراسة في دراسته للظاهرة الإرهابية على واقع الظاهرة، وليس على ما يجب أن تكون عليه، وبالتالي فيرى الإرهاب على أساس أنه انبثاقي عن الواقع بنظمه وتنظيماته وسياقاته السياسية والاقتصادية والتاريخية، لذلك فستكون آثاره على بقية الأنظمة والوحدات الاجتماعية الأخرى، وهو ما يدعو للنظر في أساليب احتوائه ،  في إطار الخصوصية التاريخية لمجتمع معين وطبيعة سياقاته الاجتماعية التي عاشها ويعيش هذا المجتمع. أما عن المنطلقات التي تنطلق منها الدراسة، فمن المهم النظر لظاهرة الإرهاب باعتبارها نتاجاً لتكوين اجتماعي اقتصادي معين، وبالتالي فإنها تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى، تبعاً للموقع الاجتماعي للدين في المجتمع من جهة، وللخصوصية الثقافية لهذا المجتمع من جهة أخرى، ففي المجتمعات الغربية المعاصرة ونتيجة لعمليات التحديث التي تشهدها بفصل الدين عن الدولة يتضاءل تأثير الدين في الحياة، في حين يظل دوره في إطار المجتمعات التقليدية مركزياً تتسم به مجمل العلاقات الاقتصادية الاجتماعية السياسية... وبالتالي تستدعي عملية تحليل ظاهرة الإرهاب النظر إليها في إطار السياق الاجتماعي الذي صنعها، أو بعبارة أخرى فإن الإرهاب والعنف ليس مسئولية فردية كلية، ولكنه يحدث بفعل ظروف اجتماعية تتعلق بالبناء الاجتماعي بأسره، وحين يصاب ذلك البناء بالخلل فهو ينعكس على عقول ونفسية الأفراد بصور مختلفة فتصاب هي بالخلل الذي يتخذ صورة الإرهاب والعنف(2). وبالتالي، تستدعي عملية تحليل هذه الظاهرة تقديراً وافياً لتمييزها وتعقيدها من جهة، ولتعدد أبعادها من جهة أخرى. ووفقاً للنظرية الاجتماعية فإن هذه الدراسة تحاول اختيار بعض فرضيات الاتجاه السلوكي في دراسة سوسيولوجيا القانون كما تبناه دونالد بلاك Donald Black(1)  كنموذج لاستخدام هذا المنهج يمكن الرجوع إلى: عاطف العقلة غضيبات. "الدين والتغير الاجتماعي في المجتمع العربي الإسلامي، دراسة سوسيولوجية". (في) الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1990 ص ص 139 – 162. 2)  سمير نعيم أحمد، المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني، (في) الدين في المجتمع العربي، نفس المرجع، ص 231.

المراجع

المصادر العربية :
1. عاطف العقلة غضيبات. "الدين والتغير الاجتماعي في المجتمع العربي الإسلامي، دراسة سوسيولوجية". (في) الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1990.
2. سمير نعيم أحمد، المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني، (في) الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1990.
3. أدهم الشرقاوي، وعلي الزيبق بالغربية وأسطورة مايكل كوالنس Michael Collins 1919 – 1921 التي لا تزال تمنح عذراً جزئياً للقليل من التعصب والإرهاب المؤثر والمساعد في جهود جيش التحرير لشمال أيرلندا من الأدب العالمي.
4. أعمال "ندوة التطرف السياسي والديني في مصر"، فكر، السنة 3، العدد 6 (حزيران/يونيو 1985).
5. "بحث الحركات الاجتماعية المترطفة: الحركات الدينية"، ورقة قدمت إلى ندوة بحث الحركات الدينية المتطرفة، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، 12 آيار/مايو، 1982.

المصادر الأجنبية :-
1. E.V. Walter, "Violence and the process of terror" (in) American sociological, Review, Vol.29, No.2 (Apr. 1964).
2. Enyclopedia of the social sciences, Vol.14, (N.Y.), 1934
3. James D. Faubion, "The making of Terrorism" (in) American Anthropologist, New series, Vol.97, No.1 (Mar., 1995).
4. Cynthia L. Irvin, The making of terrorism by Michel Wieviorka, The AmericanPolitical Science Review, Vol.39, No.3 (Sep., 1995), pp. 791-983.
5. Michel Wieviorka, The making of errorism (Trans. by David Gordon White). Cicago: University of Chicago Press, 1993.
6. Edward E. Guide, J.c. Davis (ed.), When men revolt and why? (N.Y.) 1971.
7. T. Gvurr, "The calculus of civil conflict" (in) Journal of social Issues, 1, 1972.
8. Lodhi and Tilly, "Urbanization, crime and collective violence in 19th. Century France" (in) Journal of sociology, 2, 1972.
9. Ted Gurr, Civil strife in the modern world: A comparative study of its extent and causes (Princeton 1969) state department conference on Terrorism, 29 December, 1969.
10. Thomas P. Thornton, "Terror as a weapon in political agitation" (in) H. Eckstein, Internal war (N.Y. 1964) p.71.
11. J. Bowyer Bell, A time of terror: How Democtratic societies respond to revolutionary violence, New York, 1978.
12. Walter Laqueur, "Interpretation of Terrorism Fact, Fiction and Political Science", (in) Journal of Contemporary History, 12 (January 1977).
13. Martha Cronshaw, "The causes of terrorism" (in) comparative politics, Vol.13, No.4 (Jul, 1998).
14. Jack P. Gibbs, "Conceptulization of terrorism" (in) American sociological Review, Vol.54, No.3 (Jun, 1989).
15. Amy Sands Redlic, "The Transnational Flow of Information as a Cause of Terrorism", in Yonah Alexander, David Carlton, and Wilkinson, (eds). Terrorism; Theory and Practice (Boulder, 1979.
16. Sec also Manus I. Martha Crenshaw, and Fumihiko Yoshida, "Why Violence Spreads: The Contagion of International Terrorism", (in) International Studies Quarterly. 24 (June 1980).
17. Abraham Kaplan, "The Psychodynamics of Terrorism", (in) Terrorlism and International Journal, 1, 3 and 4 (1978).
18. Thornton, "Terror as a weapon of political Agitatio" (in) Wilkinson, Political Terrorism, New York, 1975.
19. . Franco Venturi, Roats of Revolution: A History of the Populist and Socialist Movements in Nineteenth Century Russia (London: Weidenfeld and Nicolson, 1960.
20. Ibrahim Saad Eddin, "Anatomy of Egypt's Militant Islamic Groups: Methodological Note and Preliminary Findings", (in) International Journal of Middle East Studies, Vol.12, No.4 (December 1980).
21. Donald Black, the behavior of law, N.R.: Academic Press, 1976, Sociological Justice, N.Y.: Oxford University Press, 1989.
22. . Steven Vago, Law and society; third edition. Prentice-Hall, Inc. U.S.A. 1991.
23. Baumgartner, M.P. "Social control from below" (in) Donald Black, (ed.): Toward a general theory of social control, Vol.1, Fundamentals, , Orlando; FL: Academic Press, 1984.
24. Grimshaw, Allen D. "Interpreting collective violence: An argument for the importance of social structure" (in). James F. Short, Jr, & Marvin E. Wolfgang (eds.), Collective violence. Chicago: Aldine therton, 1972.
25. E.V. Walter, Violence and the process of Terror (in) American sociological Review. Vol.29, No.2 (Apr., 1964).
26. Martha Crenshaw, The Causes of Terrorism (in) Comparative Politics, Vol.13, No.4 (Jul., 1981).
27. John D. Brewer, Bill Lockhart: Paula Rodgers, Informal Social Control and Crime Management in Belfast (in) The British Journal of Sociology, Vol. 49, No.4 (Dec., 1998).
28. "Social control as a dependent variable". (in) Donald Black., (ed.), Toward a general theory of social control, Vol.1: Fundamentals:. Orlando, FL: Academic Press, 1984.

التنزيلات

منشور

2013-04-25